نيويورك 10 سبتمبر 2021
إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيتش اليوم الجمعة الموافق 10 سبتمبر من العام الجاري أمام مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا.
هذا وجاء في احاطته التالي، لم يتبق سوى ما يزيد قليلاً عن 100 يوم على 24 ديسمبر، موعد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية والذي اتفق عليه ملتقى الحوار السياسي الليبي وخارطة الطريق التي أقرها الملتقى ووفق ما أقررتموه في قرار مجلس الأمن 2570.
خلال زيارتي الأخيرة إلى ليبيا، إلتقيت أو تحدثت إلى أهم الفاعلين السياسيين وبعض فئات المجتمع المدني وممثليه وحثثتهم على التوصل إلى اتفاق لحماية المسار الانتخابي وإدارة الوضع ما بعد الانتخابات. وأود أن أؤكد أن إجراء الانتخابات في ليبيا، حتى في وضع أقل من المثالي، ومع كل السلبيات والتحديات والمخاطر أمر مرغوب فيه أكثر بكثير من عدم إجراء انتخابات، والذي لن يؤدي إلا إلى تعزيز الانقسام وعدم الاستقرار والنزاع. وكما سمعت من جميع من تحاورت معهم، فإن هذا هو رأي غالبية الليبيين، على الرغم من كل تخوفاتهم الحقيقية ومخاوفهم فضلاً عن بعض الاختلافات حول الطريق إلى الأمام.
في غضون ذلك، فإن مجلس النواب بصدد الإنتهاء من قانون الإنتخابات الخاص بالإنتخابات النيابية، وقد أبلغني رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أن قانون الإنتخابات الرئاسية قد تم اعتماده بالفعل وصدر القانون رقم 1 لسنة 2021، بينما يمكن تنظيم الإنتخابات البرلمانية بالإستناد إلى القانون الحالي مع احتمال إدخال تعديلات يمكن النظر فيها والموافقة عليها في غضون الأسبوعين المقبلين، وقد تلقت المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات بالفعل قانون الإنتخابات الرئاسية، فيما أعرب المجلس الأعلى للدولة عن تذمره من اعتماد القانون دون التشاور معه.
وكما ذكر رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مؤتمره الصحفي في 17 أغسطس عند استلامه التشريع الإنتخابي، فإن المفوضية على استعداد تام لبدء التنفيذ، وستجري إعادة النظر في الجدول الزمني للتنفيذ بمجرد معرفة المعايير المحددة في القوانين الإنتخابية، وصرح رئيس المفوضية في المؤتمر الصحفي بأن المفوضية ستبذل كل ما في وسعها للوفاء بموعد 24 ديسمبر.
وهكذا، فإن على المفوضية أن تضع تقويماً انتخابياً واضحاً للسير بالبلاد نحو الإنتخابات في 24 ديسمبر، بدعم من المجتمع الدولي للجهود التي تبذلها حكومة الوحدة الوطنية وجميع السلطات والمؤسسات المعنية من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية قدر الإمكان في ظل الظروف المتطلبة والصعبة وفي ظل التناقضات. وبوسع المجتمع الدولي أن يساعد في إيجاد ظروف أكثر ملاءمة لذلك من خلال تيسير بدء الانسحاب التدريجي للعناصر الأجنبية من ليبيا دون تأخير.
ومن أجل المساعدة في ضمان نزاهة ومصداقية العملية الانتخابية وقبول نتائجها، فإن المراقبة الدولية والمحلية للعملية برمتها أمر بالغ الأهمية. وهنا أحث جميع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية على إرسال فرق مراقبة، بالتنسيق مع السلطات والمؤسسات الليبية، ولا سيما المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ووزارة الخارجية عندما يحين الوقت.
كما أصبح المجلس الرئاسي فاعلاً في اقتراح حوار سياسي لتأمين انتقال سياسي سلس وسلمي وكذلك في النظر في سبل تيسير إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر.
وأخيراً، أرحب بالإجراءات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية لتيسير الاستعدادات لإجراء الانتخابات، وبالأخص توفير التمويل الكافي للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات فضلاً عن مختلف الاستعدادات الأمنية التي تقوم بها بشكل خاص وزارة الداخلية. فقد عقدت حكومة الوحدة الوطنية مؤتمراً في 17 أغسطس تناول بالتفصيل الإستعدادات الجارية حتى الآن، بما في ذلك الكشف عن خطة أمنية مفصلة لتأمين الانتخابات.
تبقى موافقة مجلس النواب على الميزانية الوطنية الموحدة، والتي ما تزال معلقة، ذات أهمية حاسمة لإتاحة المجال لحكومة الوحدة الوطنية لتحسين تقديم الخدمات والمساعدة للشعب بشكل منصف في جميع أنحاء ليبيا. حيث تواصل حكومة الوحدة الوطنية ممارسة عملها بالاعتماد على المخصصات الشهرية التي يقدمها المصرف المركزي. وهنا أدعو مجلس النواب إلى الإسراع في الموافقة على ميزانية موحدة.
ومنذ منتصف شهر أغسطس، كانت هناك دعوات عديدة لاستجواب حكومة الوحدة الوطنية من قبل مجلس النواب بسبب ضعف الأداء وكانت هناك حتى دعوات للتصويت بحجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية في مجلس النواب وكذلك في ملتقى الحوار السياسي الليبي.
وفي الوقت الذي نسلم فيه وبقوة بحق مجلس النواب في ممارسة وظيفته الرقابية، فقد حذرت من أن محاولات تغيير السلطة التنفيذية المؤقتة مع اقتراب موعد الانتخابات لن تؤدي سوى إلى مزيد من الارتياب بشأن الانتخابات وستسفر عن مشاكل في الاستعداد للانتخابات وتأمينها. وهذه الانتخابات هي التي ستمنح الليبيين الفرصة لتثبيت حكومتهم ورئاستهم وبرلمانهم.
وقد عقد مجلس النواب جلسة بحضور رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، وعدد من الوزراء في 8 سبتمبر.
الإنتخابات الآن ليست مجرد التزام أخلاقي أو سياسي، بل هي ضرورة سياسية وأمنية تضمن استمرار التطورات الإيجابية التي تحققت في ليبيا منذ أكتوبر 2020 وأن ليبيا ستتجاوز حالة الأزمات المستمرة المثبطة والنزاع والانتقال الدائم نحو استكمال العملية السياسية وولوج مرحلة البناء المشترك للأمن المستدام والاستقرار والوحدة والتنمية، يجب أن تتاح للشعب الليبي الفرصة للتعبير عن إرادته وانتخاب ممثليه بحرية ومنحهم شرعية شعبية ثابتة.
إن إجهاض الحافز للانتخابات سوف يمثل للكثيرين إشارة بأن العنف هو السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة في البلاد. وذلك أمر لا يمكن السماح به. لذا يجب أن يكون المجتمع الدولي حازماً في دعمه للانتخابات ويجب أن يعي في ذات الوقت الأفكار والسبل التي قدمها الليبيون حول كيفية إجراء هذه الانتخابات وحمايتها. هناك حاجة إلى مزيج من الحزم القائم على المبادئ والعمل معاً بشكل عملي بناء على حلول ليبية مقبولة من الأغلبية.
أرحب بما حققته المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من تقدم حتى الآن بشأن التحضير لإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر. وأثني على رئيس المفوضية للجهود الحثيثة التي تبذلها المفوضية للتخطيط والإعداد لإجراء الانتخابات في ديسمبر، حيث تمكنت المفوضية خلال الشهرين الماضيين من تحديث سجل الناخبين للتصويت داخل البلاد كما شرعت في تحديث تسجيل الناخبين الليبيين المؤهلين المقيمين بالخارج والذي سيستمر حتى منتصف سبتمبر.
ومؤخراً، تم تسجيل أكثر من نصف مليون ناخب جديد بغرض المشاركة في الانتخابات المقبلة، وبذلك يصل العدد الإجمالي للناخبين المسجلين إلى أكثر من 2.8 مليون، 40 في المائة منهم من النساء. ومعظم المسجلين حديثاً هم دون سن الثلاثين، مما يدل بجلاء على تلهف جيل الشباب للمشاركة في تحديد مصير بلادهم عبر عملية ديمقراطية. ويجب على السلطات الليبية والقادة الليبيين ألا يخيبوا آمالهم.
وقد دأبت الأمم المتحدة على دعم جهود المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والجهات الفاعلة الليبية الأخرى الرامية الى تعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات. ومن بين المبادرات الأخرى، نظمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بشكل مشترك وبالاشتراك مع وحدة النوع الاجتماعي التابعة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات سلسلة ندوات تفاعلية عبر الإتصال المرئي شاركت فيها مجموعة واسعة من الشبكات النسائية في جميع أنحاء ليبيا تناولت مختلف المواضيع المتعلقة بالانتخابات بما في ذلك العنف الانتخابي القائم على النوع الاجتماعي وحملات المرشحات.
إن البلاد وشعبها بحاجة الى التأكد بجلاء من أنه سيتم إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، حيث إن الغموض القائم يولد أرضاً خصبة للمعرقلين والمشككين لاستغلال هذا الوضع للعمل ضد الانتقال السياسي، مما سيغذي التوترات القائمة في العلاقات بين مختلف المؤسسات والسلطات الليبية. إن المجادلات العلنية بين الأطراف والتصريحات والخطوات ذات الطابع التصادمي تعزز من حدة التوتر القائم، والمخاوف من هذا النوع من العلاقات المتوترة في ظل الافتقار الى خارطة طريق واضحة نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تزداد عمقاً، ذلك في ظل احتمالية أن يكون لذلك تداعيات أمنية وسياسية تؤثر سلباً على أمن وسلامة ووحدة ليبيا.
وأشعر بالاستياء أيضاً لإبلاغكم بأن الانسداد السياسي الذي ساد في هذه الفترة بات يلقي بظلاله على المشهد الأمني، حيث ما يزال عدد من مناطق الساحل الغربي بؤراً ساخنة للنزاع من حين لآخر، لأسباب ليس أقلها الأنشطة غير القانونية وشبكات التهريب. ومما يثير القلق بنفس القدر، اندلاع مواجهات خطيرة في طرابلس في 3 سبتمبر وأيضاً في وقت لاحق بين مختلف الوحدات التابعة لقوات أمنية خاضعة إسمياً لسيطرة السلطات للسيطرة على بعض المؤسسات على وجه الخصوص. وقد سارع كل من المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء إلى التدخل لوقف الاقتتال، مما يستحق الإشادة بهما، غير أنه يتعين القيام بالمزيد من أجل إبعاد شبح الاقتتال والسيطرة على الوحدات المسلحة العديدة والمليشيات على نحو استراتيجي.
يحتاج الوضع الأمني واضح الهشاشة إلى إيلائه المزيد من الاهتمام من جانب حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي بالتنسيق مع الجيش الوطني الليبي القيادة العامة، وذلك لتهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في بيئة آمنة ولتحقيق الاستقرار. وأؤكد مجدداً حاجة السلطات والمؤسسات الليبية للعمل بشكل مشترك، بمافي ذلك مع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 لمعالجة كل هذه القضايا والشروع في سلسلة من البرامج التي تستهدف نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني.
وفي مؤشر لاضطلاع الليبين بمسؤولية تحقيق الاستقرار ووحدة البلاد، فقد اقترحت وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، عقد مؤتمر لدعم الاستقرار مع شركاء ليبيا الدوليين الأساسيين، ليكون بمثابة منبر لتنفيذ قرارات مؤتمري برلين، ولا سيما دعم سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية على نحو يتسنى التأكد منه ويتم الاتفاق عليه وبطريقة ممنهجة ومعيارية، فضلاً عن الإعداد لعمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني وتوحيد المؤسسات العسكرية كل ذلك بمساعدة ودعم وتيسير دولي. إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تدعم هذه المبادرة التي تضطلع بها ليبيا بشكل كامل، والتي تتطلب، مع ذلك، تحضيرات مستفيضة وتنسيقاً وتكاملاً جوهرياً ومتسقاً مع عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والمجلس الرئاسي وجميع المؤسسات والسلطات المعنية.
ما يزال وقف إطلاق النار متماسكاً وقد تحقق بعض التقدم بشأن تنفيذ بعض عناصر اتفاق وقف إطلاق النار. إذ أسفرت الجهود الدؤوبة التي بذلتها اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 عن إعادة فتح طريق مصراتة سرت الساحلي، بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ودائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام. وقد لقي هذا التطور في الأحداث ترحيباً حاراً من الشعب الليبي لما له من مكاسب جلية لجميع الليبيين.
ومع ذلك، يظل استمرار وجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية مصدر قلق شديد لليبيا والمجتمع الدولي، بما في ذلك دول المنطقة ولا سيما جيران ليبيا.
وفي الاجتماع الوزاري الذي عقد في الجزائر العاصمة في الفترة من 30 إلى 31 أغسطس، وهو مبادرة ضرورية جاءت في الوقت المناسب وقدمت من طرف شركائنا الجزائريين بالتعاون مع دول ومنظمات إقليمية أخرى، بما فيها الأمم المتحدة، وضمت ليبيا والدول المجاورة لها، شدد جميع المشاركين على ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى توحيد مؤسسات الدولة وتعزيز الحكم في ليبيا وتحقيق المصالحة والعمل على سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية. وأكد المشاركون على ضرورة التعامل مع سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية بطريقة شفافة ومنظمة وبالتنسيق مع بلدان الجوار، وذلك للحيلولة دون وجود أي تأثير مزعزع لاستقرار دول الجوار وتعزيز التعاون في المجالات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الإدارة المشتركة لتنقل الافراد والبضائع عبر الحدود.
وناقش الوزراء السبل والوسائل الكفيلة بتمكين دول الجوار من تقديم دعم فعال للجهود الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة وطلبوا إشراكهم في جميع الاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة بالأزمة في ليبيا.
وأكد الوزراء مجدداً الدور المحوري لآلية دول الجوار في دعم العملية التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا والأهمية القصوى للتشاور والعمل على التنسيق بين اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ودول الجوار الليبي بشأن قضية سحب المرتزقة والقوات الأجنبية لإنشاء آلية وعملية فعالة بين الليبيين ودول الجوار.
كما شدد الوزراء على أهمية ضمان تعزيز التنسيق والتآزر والتكامل بين جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، الذين يعملون بشكل وثيق مع البلدان المجاورة بهدف تجنب تعدد الجهود والمسارات المتنافسة في دعم المرحلة التمهيدية للحل الشامل في ليبيا.
من الأهمية بمكان أن تتولى ليبيا والدول المجاورة إدارة حدودها وبسط سيطرتها عليها، ومن التطورات الإيجابية في هذا الصدد هي الاتفاقات الثنائية التي يجري التفاوض عليها حالياً بين مصر والنيجر مع ليبيا لإدارة تدفقات الهجرة. وفي الوقت ذاته، فإن الجهود المبذولة لتوقيع الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف وتفعيلها لتعزيز الأمن والتعاون عبر الحدود بين البلدان التي تشترك في حدود مشتركة مع ليبيا ضرورية للحفاظ على الأمن الإقليمي وتعزيز التنمية الاقتصادية وبناء الثقة لتوثيق التعاون فيما بينها ومع ليبيا. وتعتبر الاتفاقية الرباعية لإدارة الحدود بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر مثالاً إيجابياً على مثل هذا التعاون متعدد الأطراف في تأمين الحدود المشتركة والتصدي للجريمة العابرة للحدود والتطرف المتيم بالعنف وأنشطة المجموعات المسلحة. ومما يبعث على الارتياح معرفتي خلال زيارتي الأخيرة بأن المجلس الرئاسي قد أجرى مناقشات واعدة مع عدد من دول المنطقة في هذا الشأن.
عندما أكون في ليبيا، يجري تذكيري باستمرار بحاجة الليبين إلى مساعدة المجتمع الدولي لإدارة الملف الأمني بشكل أفضل. ويتعين أن يبدأ هذا بالتمسك بالتزامات مؤتمر برلين والاستجابة للدعوات والالتزامات الواردة في العديد من قرارات مجلس الأمن، وذلك من خلال وقف انتهاكات حظر التسليح واتفاق وقف إطلاق النار الليبي.
ولدعم السلطات الليبية في إحراز تقدم نحو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، تتواصل الاستعدادات لإرسال المجموعة الأولى المكونة من 10 من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للأمم المتحدة وموظفي الدعم في الأيام المقبلة
فيما يتعلق بالمصالحة، ألفت النظر إلى أنه في 5 و 6 سبتمبر على التوالي، تم الإفراج عن الساعدي القذافي بمعية عدد من مسؤولي النظام السابق، وذلك بعد سبع سنوات أو أكثر في السجن، وقد تمت تبرئتهم من التهم الموجهة إليهم من قبل محكمة ليبية في عام 2019. وكما أشار إليه المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والبعثة، فإن عمليات إطلاق سراح هؤلاء السجناء تمثل تطوراً إيجابياً سيسهم في الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية.
وبذات القدر من الأهمية وتحت رعاية اللجنة العسكرية المشتركة، قامت القوات المسلحة العربية الليبية بإطلاق سراح 17 سجيناً من مصراتة من جانب واحد ويعد ذلك مساهم إيجابية في بناء الثقة والمصالحة. وأعقب ذلك إطلاق سراح 8 محتجزين آخرين من جانب واحد في 5 سبتمبر، وترحب البعثة بهذه العمليات وتجدد دعوتها إلى الإفراج عن جميع المحتجزين بصورة غير قانونية، كجزء من سياسة مصالحة أوسع نطاقاً. وقد سررت للعلم بالعمل النشط والمتواصل للمجلس الرئاسي بالتعاون مع وزيرة العدل بهدف ضمان الإفراج عن جميع المعتقلين بشكل غير قانوني. وأدعو السلطات الليبية إلى الإسراع بالإفراج عن أولئك المسجونين بشكل غير قانوني.
يؤسفني أن أشير إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ما تزال مستمرة. إذ يتواصل تورط التشكيلات المسلحة في جميع أنحاء البلد وبعض الوحدات المسلحة التي تعمل إسمياً تحت إشراف الدولة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والقتل والاختفاء القسري والعنف الجنسي والحرمان غير القانوني من الحرية.
ومما يثير القلق بوجه خاص ارتفاع عدد المحتجزين لفترات طويلة، كثير منهم محتجزون في ظروف لا إنسانية. وحتى أغسطس 2021، ووفقاً للإحصاءات الرسمية التي قدمتها السلطات الليبية، يقبع 12300 محتجزاً في 27 سجناً وأماكن احتجاز معترف بها في جميع أنحاء ليبيا، ويعد هذا الرقم الأعلى حتى الآن. وتفيد التقارير بأن 41 في المائة من المحتجزين المسجلين هم في الاحتجاز السابق للمحاكمة، وقد أمضى العديد منهم سنوات خلف القضبان في انتظار المحاكمة.
هذا ويتواصل التوجه الإيجابي تجاه تقليص أعداد النازحين داخل البلاد، حيث يصل عدد النازحين حالياً إلى ما يقرب من 212000 شخص مقارنة بـ 278000 نازح بداية هذا العام. وتبقى الحاجة إلى حلول دائمة للنازحين من الاهتمامات ذات الأولوية. إن عمليات الإخلاء القسري للنازحين من المخيمات والتي عادة ما تتم بشكل مُدبر ما تزال تستهدف أولئك النازحين القاطنين في مخيمات جماعية والعشوائيات. وقد شكلت وكالات الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة فريق عمل معني بعمليات الإخلاء، ومن ضمن مهامه تتبع عمليات الإخلاء على شبكة الانترنت، وتوفير إرشادات بشأن معالجة عمليات الإخلاء القسري مع السلطات الوطنية. كما تعمل وكالات الأمم المتحدة على زيادة دعمها للجهود الوطنية الرامية إلى إيجاد حلول دائمة لمجتمعات النازحين بما ذلك جهود اللجنة الوزارية المشتركة العليا للنازحين والتي أنشأتها مؤخراٌ حكومة الوحدة الوطنية.
وفيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في ترهونة حيث تم اكتشاف أكثر من 100 مقبرة جماعية بعد انسحاب مجموعة الكانيات المسلحة من المدينة في عام 2020، ما يزال المئات في عداد المفقودين، وتستحق أسرهم الحصول على معلومات وافية عن مصير أحبائهم.
وأود أن أشدد على ضرورة تقديم الجناة إلى العدالة حيث يعد ذلك حجر الزاوية في عملية المصالحة الوطنية، فضلاً عن ضمان الحق في معرفة الحقيقة لأسر ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي.
حتى شهر أغسطس، يقدر عدد المهاجرين واللاجئين المحتجزين تعسفاً في مراكز الاحتجاز الرسمية في جميع أنحاء البلاد بزهاء 7000، حيث يحتجز كثير من المهاجرين في ظروف احتجاز لا إنسانية ويتعرضون للابتزاز والعمل القسري والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، على أيدي موظفي جهات تعمل تحت سلطة الدولة. ولقد شعرت بالارتياح لأن أسمع من وزارة الداخلية عن التزامها بالتحقيق في مثل هذا السلوك الإجرامي ومعاقبته.
ومن هنا، أحث الدول الأعضاء مرة أخرى على إعادة النظر في سياساتها ووقف دعم العمليات الرامية إلى إعادة الأفراد إلى ليبيا والعمل على حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء.
أشعر بالاستياء لإبلاغكم بأنه جميع عمليات الإخلاء الطوعي لأغراض إنسانية وإعادة التوطين ورحلات ترحيل المهاجرين واللاجئين إلى خارج ليبيا قد تم تعليقها مرة أخرى من جانب جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التابع لوزارة الداخلية. تُعد هذه الرحلات وعمليات الترحيل التي يتم تسييرها من جانب المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ضرورية وعاجلة حيث ما يزال هناك ما يقرب عن 4300 من المهاجرين واللاجئين المعرضين للخطر ينتظرون المغادرة. وبالنظر إلى التكاليف البشرية والمالية المترتبة على هذه الإيقافات المتكررة، فقد أشارت المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية شؤون اللاجئين إلى عدم استطاعتهما استئناف هذه العمليات في غياب التزام ثابت من جانب حكومة الوحدة الوطنية بدعم هذه العملية، مع اتباع إجراءات واضحة ويمكن التنبؤ بها ومتفق عليها بشكل مشترك وتنفيذها بصورة متسقة من جانب جميع الأطراف.
وأنوّه أيضاً مع القلق إلى أن المنظمات الدولية غير الحكومية تواجه تقييدات متزايدة في الحصول على تأشيرات لدخول البلاد.
أنهى أعضاء بعثة تقصي الحقائق مهمتهم الأولى في ليبيا في الفترة من 23 إلى 27 أغسطس 2021. وقد أجرت هذه البعثة اتصالات رفيعة المستوى مع السلطات الحكومية والقضائية الليبية فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في ليبيا.
واعتبر أعضاء بعثة تقصي الحقائق أن مهمتهم كانت خطوة إيجابية في مجال التعاون مع ليبيا. وتم تعيين جهات اتصال عدة داخل الحكومة للرد مباشرة على أسئلة واستفسارات بعثة تقصي الحقائق، وذلك لتيسير إجراء التحقيقات من جانب بعثة تقصي الحقائق، على نحو أفضل، مع إتاحة وصولها الكامل إلى البلاد.
فيما يتعلق بتنفيذ توصيات تقرير المراجعة المالية الخاص بالمصرف المركزي، فقد التقت يوم أمس مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا مع محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه. وقد استمع المجتمعون من فرعي مصرف ليبيا المركزي حول الكيفية التي يعتزمان بها تنفيذ توصيات المراجعة المالية الدولية التي يسرتها الأمم المتحدة، والتي سلمت لهما في 8 يوليو من السنة الجارية. وقد أقر كلا المحافظين بالضرورة الملحة لتوحيد المصرف معبرين عن رغبتهما بالقيام بذلك.
يُعد الأداء الاقتصادي السليم أمراً للبلاد. وأُرحب هنا بالجهود التي يبذلها السيد رئيس الوزراء لضمان استمرار سير عمل المؤسسة الوطنية للنفط بسلاسة بما يحقق الاستقرار في قطاع النفط، والذي يُعد فعلياً مصدر الثروة الوحيد لجميع مواطني ليبيا. إن أية محاولات لإغلاق خطوط النفط أو تعطيل تصديره أو زعزعة شبكة المياه في ليبيا أمر غير مقبول.
هذا وقد تم أيضاً من خلال بعثة رفيعة المستوى للبنك الدولي في شهر أغسطس، بقيادة نائب رئيسه فريد بلحاج، بحث سبل إدارة أصول ليبيا المجمدة، حيث أن ليبيا مهتمة بكيفية الاستفادة من أصولها المجمدة بالتعاون مع الشركاء الدوليين وذلك بغية إدارة هذه الأصول بما يحقق عوائد جيدة.
كما أكدت بعثة البنك الدولي على ضرورة بناء قدرات الدولة الليبية في مجالات تخطيط وإنجاز ورصد استخدام الأموال العامة. إن تعزيز القدرة على تقديم الخدمات وبرامج الحماية الاجتماعية على المدى القصير وضمان عملية إعادة إعمار خاضعة للمساءلة يصاحبها إصلاحات سياسية أساسية على المدى المتوسط أمور ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل والنمو المتكافئ للدولة. وتبدي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي استعدادها للعمل مع السلطات الليبية على “تقييم مستوى التعافي وبناء السلام” من أجل وضع إطار تحليلي قادر على دعم مسار الاستقرار والتنمية في البلاد. ونحن نعمل في هذا الصدد أيضاً وبشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي، كما تأكد ذلك من خلال الزيارة الأخيرة للممثل السامي للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى ليبيا.
لقد افتتحت السلطات الليبية مراكز تطعيم جماعية جديدة في طرابلس وبنغازي لمكافحة جائحة كورونا، مما يتيح لليبيا تحقيق هدفها في التطعيم الكامل لما نسبته 40 بالمائة من السكان بحلول نهاية هذا العام. وتواصل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف وغيرهما من الشركاء تقديم الدعم الفعال لحملة التطعيم الوطنية في ليبيا.
إن ليبيا في مفترق طرق حيث احتمالات حدوث تطورات إيجابية أو سلبية واردة وبنفس القدر. ومن خلال الانتخابات، ثمة فرصة لأن تمضي ليبيا قدماً وبشكل تدريجي ومُقنع في مسار أكثر استقراراً وتمثيلية ومدنية. وتقع على عاتق المجتمع الدولي أيضا ًمسؤولية دعم التطورات الإيجابية في ليبيا والوقوف بحزم ضد أية محاولات لعرقلة هذه التطورات.
إن عدم إجراء الانتخابات قد يتسبب في تدهور الوضع في ليبيا بشكل خطير، كما يمكن أن يؤدي إلى الانقسام والنزاع. ومن هنا، أحث الأطراف الليبية الفاعلة على توحيد قواها وضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة وحرة ونزيهة ينظر إليها الجميع على أنها الخطوة الأساسية لتحقيق المزيد من الاستقرار والوحدة في ليبيا. وستستمر البعثة في دعم الجهود التي تفضي إلى ليبيا مستقرة وموحدة.