عُقدت الدورة التاسعة لندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في إطار منتدى التعاون الصيني العربي في 14 سبتمبر من العام الجاري عبر المنصة الرقمية بنجاح، واجتمع فيها أكثر من 40 شخصيات حكومية وعلماء من الصين ودول جامعة الدول العربية عبر الإنترنت من ضمنهم د.خليفة الحامدي مدير مكتب الخبراء في وزارة الثقافة والتنمية المعرفية الليبية وأجريت التبادلات والمناقشات المعمقة حول موضوع التواصل بين الحضارتين الصينية والعربية في ظل التشارك في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك.
إن التبادلات الحضارية الصينية العربية لها تاريخ طويل، فمن زمن طريق الحرير القديم إلى مبادرة” الحزام والطريق “في يومنا هذا، لم تتوقف التبادلات بين الحضارتين الصينية والعربية أبدا. وإن زهرة حضارية فريدة هي تتفتح في الأضواء الساطعة المشعة من كل تلامس ودي وحوار متساو بين الحضارتين ومن دوام التعاون والتضامن بينهما. يشهد العالم الآن تلاقي التغيرات الكبرى التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة والجائحة التي تحدث بمعدل مرة كل قرن، وظل الجانبان الصيني والعربي يتبادلان الدعم في وجه الجائحة وتعزيز التبادل والتعاون وتعميق الحوار بين الحضارات.
يجب أن يعترف أولا حوار الحضارات بتنوع الحضارات. ومن الطبيعي أن تنشأ حضارات ونظم اجتماعية مختلفة من بيئات طبيعية مختلفة وثقافات تاريخية مختلفة. والحضارة من طبيعها لا يمكن تصنيفها وتمييزها بين المتقدمة والمتخلفة، وإذا كنا نعتقد أن وجود نظام وثقافة يمكن تطبيقها وتعميمها دون تغيير على الصعيد العالمي، فإننا نتجاهل تنوع الحضارات وبلورة الحضارات القيمة التي تراكمت في التنمية الطويلة الأجل لدى مختلف الشعوب
ويتطور تاريخ البشرية في الهجرة المستمرة، وتصاحبها عمليات تبادل متواترة للسلع الاساسية، فضلا عن تبادل للمهارات والافكار، وهو ما يشكل عنصرا هاما في التبادل المادي.
وفي إطار مسيرة التنمية الحضارية العالمية، نجح التبادل بين الحضارات العربية والصينية، من خلال طريق الحرير العظيم، في نشر الإختراعات الصينية الأربعة، والحرير والخزف الصيني، وأيضا المعارف والتوابل والطبية والفلكية والأدوية العربية إلى عدد أكبر من البلدان في القارات الأسيوية والأفريقية والأوروبية وبما حقق اندماج الحضارة في التبادل وتطورها في التكامل.
إن حوار الحضارات يجب ان يقوم على المساواة والإحترام المتبادل، إن نظريات التفوق الحضاري، والصراع الحضاري التي تتعالى في بعض البلدان مصممة على تحويل أو حتى استبدال حضارات أخرى، وفرض القواعد التي تضعها دولة بعينها أو عدة دول على الدول الأخرى وممارسة سياسة القوة والهيمنة، فإن العواقب المترتبة على هذا الخطاب كوارث من الناحية العملية، وتقوض السلم والاستقرار للعالم. وينبغي ان التبادل الحضاري تعايش بشكل سلمي وقرر الدول مصير العالم ومستقبله بشكل مشترك وتعزيز حل القضايا الساخنة على مقدمة الاحترام المتبادل. هناك تقاليد حميدة قائمة بين الصين والدول العربية ألا وهي تبادل الاحترام والدعم والتعامل على قدم المساواة وعلى الجانبين الصيني والعربي مواصلة الالتزام بتعددية الأطراف، والحفاظ بحزم على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي، وإيجاد حلول عادلة للقضايا الساخنة في يوم مبكر، والعمل معا على صيانة السلام والاستقرار في المنطقة، وتحقيق التعايش المتناغم بين الحضارات المختلفة.
وخلال الندوة، حيا مدير مكتب الخبراء بوزارة الثقافة والتنمية المعرفية، الدكتور خليفة الحامدي، هذا الجهد التأصيلي للعلاقات الحضارية وتفعيلها في إطار نشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل وخدمة المصالح المشتركة، متطلع إلى حوار معرفي مسؤول، يعتمد الحقائق ويستند إلى الوقائع ويستند إلى كل ما هو إيجابي يخدم العلاقات في إطار من التكافؤ واعتماد المعايير التي تستند إلى الحق والعدل، وخدمة الأمتين والإنسانية جمعاء.
والحوار بين الحضارات لا يمكن أن ينفصل عن التقارب بين الشعبين الصيني والعربي. كما أشار إليه الرئيس الصيني شي جينبينغ، في التحليل النهائي، يعتمد تطوير العلاقات بين الدول على تفاهم وتواصل الأفكار بين شعوبها. وان التقارب بين الشعب الصيني والشعوب العربية يهدف إلى تعزيز التواصل الفكري وتكريس روح” طريق الحرير “المتمثلة في السلم والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وضرورة حقيقية لتحقيق تنمية ورخاء مختلف الدول. ومنذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد، ساعد الشعبان الصيني العربي في بناء توافق في الآراء بشأن مكافحة الوباء، ووضع نموذجا للتعاون في مجال مكافحة الوباء في جميع انحاء العالم مع استمرار تدفق مساعدات اللقاحات والأدوية. وعلى الصعيد الثنائي، قدمت الحكومة الصينية عدة دفعات من المساعدات الطبية للشعب الليبي، وقامت وزاره الخارجية الصينية واللجنة الوطنية الصينية للصحة بتنظيم العديد من الاجتماعات الافتراضية التي فيها شارك الخبراء والأكاديميون الصينيون خبراتهم وتجاربهم مع زملائهم الليبيين وأجابوا على أسئلتهم. وفي الوقت نفسه، يعد تعزيز التواصل بين الشعوب طلبا موضوعيا وسندا لا يستغنى عنه لتوطيد بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك بين الصين والعالم العربي.
ويتعين على الجانبين الصيني والعربي ضرورة الالتزام بتكريس مفهوم مجتمع المستقبل المشترك، ونبذ الانحياز الأيديولوجي وتجاوز صراع الحضارات، واحترام الطرق التنموية التي اكتشفتها دول العالم وفقا لظروفها الوطنية وممارساتها الواقعية، والدعوة إلى الحوار على قدم المساواة على أساس التضامن والتسامح، وتعزيز التبادل الحضاري بين الجانبين؛ وضرورة تعزيز الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية العريقتين بغية إضفاء قوة دافعة مستدامةً على تطور العلاقات الصينية العربية؛ وضرورة تعزيز التقارب بين الشعوب وتكريس روح طريق الحرير من أجل توطيد الأسس الإنسانية.
الصين تستعد للعمل مع البلدان العربية، والتقدم يداً بيد مع جميع القوى التقدُّمية في العالم لكي تصبح معًا بانيةً السلام العالمي ومساهِمةً في التنمية العالمية ومدافِعةً عن النظام الدولي.
(بقلم السيد وانغ تشيمين القائم بأعمال السفارة الصينية لدى ليبيا)