دولي

كلمة رئيسية لرئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ في الجلسة الافتتاحية للقمة الصينية العربية الأولى

الرياض، يوم 9 ديسمبر عام 2022

الزملاء المحترمون،

أيها الأصدقاء،

أهلا وسهلا!

أشكر الجانب السعودي على ما قام به من حفاوة الضيافة والترتيبات الدقيقة. ويسعدني أن أجتمع مع حضرات الزملاء تحت سقف واحد لعقد القمة الصينية العربية الأولى. إن هذه القمة التي بمثابة معلم فارق في تاريخ العلاقات الصينية العربية ستقود الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية نحو مستقبل أجمل بكل التأكيد!

يضرب التواصل الودي بين الصين والدول العربية بجذوره في أعماق التاريخ، حيث تلاقت وتعرفت بعضها على البعض عبر طريق الحرير القديم، وتقاسمت السراء والضراء في النضال من أجل التحرير الوطني، وحققت التعاون والكسب المشترك في تيار العولمة الاقتصادية، وظلت تتمسك بالحق والعدالة في العالم المتغير والمتقلب، وبلورت روح الصداقة الصينية العربية المتمثلة في “التضامن والتآزر والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمول والاستفادة المتبادلة”.

يعتبر التضامن والتآزر ميزة بارزة للصداقة الصينية العربية. تثق الصين والدول العربية بعضها بالبعض، وتربطها مشاعر أخوية، حيث نتبادل الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للجانب الآخر، ونتحد ونتقدم معا في قضية تحقيق أحلام نهضة الأمة، ونتضامن بروح الفريق الواحد في المعركة ضد جائحة فيروس كورونا المستجد. وأصبحت علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة ولمستقبل أفضل قوية ولا تنقطع.

تعتبر المساواة والمنفعة المتبادلة قوة دافعة لا تنضب للصداقة الصينية العربية. يعد التعاون الصيني العربي القائم على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك نموذجا يحتذى به لتعاون الجنوب الجنوب، حيث تم إنشاء 17 آلية تعاون بين الجانبين في إطار منتدى التعاون الصيني العربي. وخلال السنوات الـ10 الماضية، ازداد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بـ100 مليار دولار أمريكي، وتجاوز إجماليه 300 مليار دولار أمريكي؛ وبلغ رصيد الاستثمار المباشر الصيني في الدول العربية 23 مليار دولار أمريكي بزيادة 2.6 ضعف؛ وتم تنفيذ أكثر من 200 مشروع في إطار التعاون في بناء “الحزام والطريق”، الأمر الذي عاد بالخير على قرابة ملياري نسمة.

يعتبر الشمول والاستفادة المتبادلة قيم الصداقة الصينية العربية. تتبادل الحضارتان الصينية والعربية الإعجاب وتسجلان فصولا تاريخية رائعة من التعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة. نستلهم الحكمة من الحضارة العريقة للجانب الآخر، وننشر سويا المغزى الحقيقي للحضارة ألا وهو “الاهتمام بالسلام والدعوة إلى الانسجام والالتزام بالتعهدات والسعي وراء الحق”. ندافع عن الأصالة بكل ثبات في وجه التحريض على صراع الحضارات، وندعو سويا إلى الحوار بين الحضارات ونناهض التمييز الحضاري ونحافظ على التنوع الحضاري في العالم.

أيها الزملاء والأصدقاء!

في الوقت الراهن، دخل العالم مرحلة جديدة من الاضطراب والتحول، وتشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات جديدة وعميقة. باتت رغبة الشعوب العربية في السلام والتنمية أكثر إلحاحا، واشتدت نداءاتها الداعية إلى الإنصاف والعدالة. في هذا السياق، على الجانبين الصيني والعربي، باعتبارهما شريكين استراتيجيين، توارث وتطوير روح الصداقة الصينية العربية، وتعزيز التضامن والتعاون، وبناء مجتمع مستقبل مشترك أوثق بين الصين والدول العربية، بما يعود بمزيد من الفوائد على شعوب الجانبين ويساهم في قضية التقدم للبشرية.

علينا التمسك بالاستقلالية وصيانة المصالح المشتركة. يدعم الجانب الصيني جهود الدول العربية لاستكشاف الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها الوطنية والتحكم في مستقبلها ومصيرها في أيديها. ويحرص الجانب الصيني على تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة مع الجانب العربي، وتبادل الدعم الثابت في مساعي الجانب الآخر إلى الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة الأراضي والكرامة الوطنية. وعلى الجانبين التمسك سويا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتطبيق تعددية الأطراف الحقيقية والدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.

علينا التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون القائم على الكسب المشترك. من الضروري تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية وبناء “الحزام والطريق” بجودة عالية. ومن الضروري توطيد التعاون التقليدي في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية وغيرها، وتقوية أقطاب النمو الصاعدة مثل التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والصحة والاستثمار والمالية، وفتح آفاق جديدة في مجالات الطيران والفضاء والاقتصاد الرقمي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعامل الفعال مع التحديات الكبرى القائمة مثل أمن الغذاء والطاقة. يحرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب العربي على تنفيذ مبادرة التنمية العالمية وتدعيم تعاون الجنوب الجنوب لتحقيق التنمية المستدامة.

علينا الحفاظ على سلام المنطقة وتحقيق الأمن المشترك. يدعم الجانب الصيني الجانب العربي في إيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة والشائكة بالحكمة العربية، وبناء منظومة أمنية مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة في الشرق الأوسط. ونحث المجتمع الدولي على احترام شعوب الشرق الأوسط باعتبارها أسياد المنطقة، وإضفاء طاقة إيجابية تخدم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ويرحب الجانب الصيني بمشاركة الجانب العربي في مبادرة الأمن العالمي، كما أنه على استعداد لمواصلة المساهمة بالحكمة الصينية في تعزيز السلام والأمان للشرق الأوسط.

علينا تعزيز التبادل الحضاري وزيادة التفاهم والثقة المتبادلة. من الضروري توسيع نطاق تبادل الأفراد وتعميق التعاون الإنساني والثقافي وتبادل الخبرات في الحكم والإدارة. ومن الضروري رفض “الإسلاموفوبيا” بشكل مشترك وإجراء التعاون في نزع التطرف ورفض ربط الإرهاب بعرق أو دين بعينه. ومن الضروري تكريس قيم البشرية المشتركة المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، ونصب قدوة للتواصل والاستفادة المتبادلة بين الحضارات في العصر الجديد.

رأينا بارتياح أنه تم الاتفاق في هذه القمة على العمل بكل الجهود على بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، مع وضع “الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية”، بغية تخطيط آفاق تطور العلاقات الصينية العربية بشكل مشترك. كالخطوة الأولى لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك وتنفيذ “الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية”، يحرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب العربي على تنفيذ “الأعمال الثمانية المشتركة” خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة، التي تغطي المجالات الثمانية التالية، تدعيم التنمية، الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء والابتكار، أمن الطاقة، الحوار بين الحضارات، تأهيل الشباب، الأمن والاستقرار. قد أفاد الجانب الصيني الجانب العربي بالمحتويات المفصلة لـ”الأعمال الثمانية المشتركة”، وسيعمل مع الجانب العربي على تنفيذها في أسرع وقت ممكن وتحقيق حصاد مبكر.

أيها الزملاء والأصدقاء!

إن القضية الفلسطينية تهم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. لا يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا تقبل رفضا. يجب على المجتمع الدولي أن يرسخ الإيمان بـ”حل الدولتين” والتمسك بمبدأ “الأرض مقابل السلام” بحزم ويعمل بكل ثبات على بذل جهود حميدة لدفع مفاوضات السلام، ويزيد من المساعدات الإنسانية والإنمائية لفلسطين، ويدفع الحل العادل والعاجل للقضية الفلسطينية. يرحب الجانب الصيني بالتقدم المهم الأخير الذي حققته الجهود العربية لدفع المصالحة الداخلية الفلسطينية. أود أن أؤكد مجددا أن الجانب الصيني يدعم بكل ثبات إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويدعم نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وسيواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني لدعمه لتنفيذ المشاريع المعيشية، كما سيزيد من التبرعات إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.

أيها الزملاء والأصدقاء!قد عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤخرا المؤتمر الوطني العشرين بنجاح، حيث تم تحديد المهام والطرق للدفع بالنهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل من خلال التحديث الصيني النمط، كما تم رسم الخطوط العريضة الطموحة للتنمية الصينية في المستقبل. سيلتزم الجانب الصيني بالحفاظ على السلام في العالم وتعزيز التنمية المشتركة والدفع ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. ويلتزم الجانب الصيني بكل ثبات بالسياسة الخارجية السلمية المستقلة والدفاع عن العدالة والإنصاف الدوليين، ويلتزم بتطوير الصداقة والتعاون مع كافة الدول على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتعميق وتوسيع الشراكات العالمية. ويتمسك بثبات باستراتيجية الانفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، ويدفع بالانفتاح العالي المستوى والتشارك في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، بما يوفر فرصا جديدة لكافة الدول بما فيها الدول العربية من خلال التنمية الجديدة في الصين.

أيها الزملاء والأصدقاء!

إن القضية العظيمة تبدأ بالحلم وتُنجز بالعمل الملموس. لنكرس روح الصداقة الصينية العربية والعمل يدا بيد على بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، والعمل سويا على خلق مستقبل أكثر روعة وإشراقا للعلاقات الصينية العربية!

وشكرا لكم!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى